المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علماء دينيون لا يخجلون من قراءة الصحف !



مجاهدون
09-24-2003, 10:19 AM
كتابات - علاء الزيدي
alaalzeidi@hotmail.com



كانت الأخبار تتلاحق حول " العدوان الإيراني " على البوابة الشرقية للأمة العربية ، في النصف الثاني من شهر أيلول ( سبتمبر ) عام 1980 ، حينما سألني صاحب الدكان القريب من دائرتي الواقعة في أقصى أقاصي شارع الحبوبي في الناصرية ، على حين غرّة :

- برأيك ماذا يريد منا العجم أهل القمل ؟!

لم أنبس ببنت شفة . فكل همّي كان اختطاف علبة سجائر بائسة من نوع " بغداد " ستكون من نصيب غيري من المتدافعين بالمناكب على باب الدكان فيما لو انشغلت بالتفلسف والتحليل !

هذا أولا ، ثم ، هل كنا أكثر تطورا من الجار الذي تحرر لتوّه من الحكم الملكي الاستبدادي المطلق ، بعد ثورة شعبية عارمة كانت التالية بحق للثورة الفرنسية التاريخية عام 1789 ؟

كانت دائرتنا " طولة " حقيقية مفتوحة على نهارات لاهبة يبول فيها الحمار دما ، فكيف ببعض إخوانه من بني الإنسان !

تصور ، بدلا من أن يسقِّف الحزب والثورة لنا فرعنا الزراعي ( هذا اسم الدائرة الرسمي ، أما شعبيا فهي البيطرة فحسب ! ) ليحمينا من ضربات الشمس المحتملة أثناء التنقل بين غرفة وأخرى لإنجاز معاملات المراجعين الأعزاء ، وبدلا من أن تربّي مؤسساته الآيديولوجية والتوجيهية التي يربو عددها على المليون موظفينا على ضرورة التزام النظافة في الحمام الوحيد في الدائرة عوضا عن تطريز الحوائط باستخدام النشادر النفّاذ والشاحب دون خجل أو خفر من زميلاتهم ، راح هذا الحزب والثورة يفكر باسترجاع سيف جدنا سعد وزين خالنا القوس وحماية البوابة الشرقية لعمنا الدلو ، مدفوعا ومحفَّزا بصيحات الاستحسان من إخوتنا العرب من المحيط الغادر إلى الخليج الخائر !

كان راتبي لا يتجاوز المائة دينار بعد أربع سنوات من الكدح والضيم ، في حين يتقاضى زميلي المصري أكثر من مائتين ، بعد أن احتسبت له خدمته المدنية والعسكرية في البلد الشقيق !

وطيلة سنوات العذاب الأربع تلك لم أستطع تقويم اعوجاج حائط بيتنا الآيل للسقوط . بل لم أستطع شراء جهاز تلفزيون وثلاجة إلا بالتقسيط غير المريح ، أما المبردة فقد خرجت من بلدي وظلت حسرته وحسرتها في قلبي ! ثم يأتي النظام السابق ليحرس البوابة الشرقية من الأشباح !

أما إيران ، فهل كانت بلد القمل فعلا ؟

لقد نجح المستعمر الغربي – من خلال خطة هادئة وطويلة الأمد – في تجهيل شعوب الأمة بعضها بالبعض الآخر . فالإيرانيون أيضا ، لا يعرفون – أو في الواقع لم يكونوا يعرفون – عن العرب إلا كونهم بدوا يسكنون الخيام في الصحراء ويقتاتون على الجراد والضِّباب واليرابيع ! وهذه في الحقيقة هي ذات النظرة الغربية لعموم المسلمين والعرب . تقول زميلة لبنانية إنها دعيت ذات مرة إلى المشاركة في ندوة ينظمها أستاذ في إحدى الجامعات الأميركية . وعند وصولها إلى القاعة كان الثلج يهطل بكثافة ، فما كان من الأستاذ إلا أن باغتها بالقول : منظر جديد بالنسبة إليك ، أليس كذلك ؟ فقد اعتدتِ على الشمس والصحراء والسماء الصافية ! هذا في حين أن لبنان من البلدان المشهورة بتساقط التلوج بغزارة !

كان جارنا الطيب صاحب الدكان يظن – وكذلك نحن –أن جميع الإيرانيين هم على شاكلة البختيارية الرحَّل الذين كانوا يجوبون وسط وجنوب العراق بهيئتهم الريفية المميزة ، واضطرارهم إلى عدم الاستحمام طويلا بسبب التنقل ، وما يستتبعه ذلك من مشاهد . لكن من يعيش ولو لسنة واحدة في إيران يرى العكس تماما . ففي حين تمتلىء شوارعنا بالنفايات ويقل أو ينعدم عندنا الوعي بأهمية النظافة العامة ؛ نظافة الشارع والزقاق والطريق والسوق والمحال العامة ، تتلألأ أزقة أصغر البلدات الإيرانية بفعل التنظيف اليومي الذي تبادر إليه العوائل بنفسها ، دون الاستعانة بالحكومة أو الاعتماد عليها . وفيما يطبع الجدب والجفاف المظهر العام للمدينة العراقية ولا أقول العربية حتى لا يعد ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية للآخرين ( في وسط القاهرة تضطر لصبغ حذائك ثلاث مرات يوميا بسبب الأتربة التي تغطي الشوارع ! ) تمتلىء شرفات البيوت الإيرانية بسنادين النباتات والأزهار الجميلة من مختلف الأنواع . وفي البين ، ثمة استثناءات طبعا ، لعل من أبرزها المدن الأهوازية ، وخاصة الأهواز ذاتها ، لأسباب لا تتعلق بالوعي الشعبي فقط ، بل وأيضا بالإهمال الحكومي المتعمد لأسباب عنصرية بحتة .

أجمل أيام شبابي ، عشته في إيران ، على الرغم من التضييق الحكومي والتبرم الشعبي من وجود العراقيين بسبب السياسة الإعلامية الرسمية المناوئة للوجود العراقي الاضطراري ( والذي أرجو أن لا ينعكس على كيفية تعامل العراقيين مع زوار العراق من الإيرانيين و لا أقصد هنا العراقيين القادمين من إيران والذين يمطرهم البعض بحمم هجماته الإعلامية لأن ذلك ليس من الأخلاق العراقية المتوارثة في شيء ) . ففي ذلك البلد الجميل ، تعرفت لأول مرة ، وباللغة الأصلية بعد تعلُّمها ، على تلك القمم الأدبية السامقة من الشعراء والأدباء والمفكرين والفنانين مثل الحافظ الشيرازي ومصلح الدين السعدي الشيرازي و جلال الدين الرومي ( المولوي ) و سهراب سبهري و فروغ فَرُّخزاد ومحمد حسين شهريار ومحتشم كاشاني ( صاحب تلك الأبيات التاريخية المخطوطة على القماش الأسود الذي يجلل الحسينيات في العراق وإيران وغيرهما خلال شهر محرم الحرام والتي تبدأ بالمطلع : باز اين جه شورش است كه در خلق عالم است ، باز اين جه نوحه وجه عزا وجه ماتم است ! أيّة ضجة هذه التي تحدث ثانية في الكون ، وأيُّ نواح وعزاء ومأتم ! ) ومرتضى مطهري وعبد الكريم سروش و محمد تقي جعفري ومحمد مجتهد شبستري وأكبر كنجي ومحمد رضا شجريان وشهرام ناظري وغيرهم الكثير – الكثير في إيران ، التي يحمل علماؤها الدينيون درجات علمية جامعية ولا يخجلون من قراءة الصحف ، قرأت للمرة الأولى لآلفين توفلر و فاتسلاف هافل و صموئيل هنتنغتون وغيرهم من المفكرين والأدباء العالميين ، والتهمت العشرات ، بل المئات من الكتب المترجمة إلى الفارسية من مختلف اللغات ( بما فيها العربية ) فيما اضطررت في بلدي إلى إحراق مكتبتي خوفا من بطش النظام !

في إيران ثمة خروقات واسعة لحقوق الإنسان ، نعم ، لكن المعارضة المتطرفة والمسلحة تتشاطر المسؤولية مع أجنحة النظام المتطرفة ، إنما لا يمكن تناسي تلك الثورة التحررية العظيمة ودماء شهدائها الطاهرة التي ارتبطت في ذهني بكل معاني التحرر والانعتاق .

في ذكرى العدوان الصدّامي على الثورة الإيرانية الفتية ( 22 أيلول – سبتمبر – ) أقف إجلالا لتلك الثورة الكبرى ، وأقرأ الفاتحة على أرواح شهدائها من إيرانيين وعراقيين ، فكم من عراقي روى أرض المعركة بدمائه دفاعا عن الحق والعدل والحرية ، وكم من عراقي ذاب جسده الطاهر تحت نيران التعذيب في سجون صدام دون أن ينال من الثورة الإيرانية وقائدها العزيز الراحل بكلمة أو بشطر من كلمة .

وليتنا استفدنا من تجربة تلك الثورة في تكريم الشهداء . ففي إيران الثورة يذكرونك بالشهداء دائما ، بصورهم وكلماتهم وحاجاتهم الشخصية البسيطة وقبورهم الجميلة وذكرياتهم ، فيما نسينا نحن الذين تكاد تخنقنا النرجسية والعنصرية والعشائرية والشوفينية شهداءنا ولما يمض على ربيع انهيار عدونا أكثر من خمسة اشهر ، وانشغلنا بتوزيع المقاعد ، أو الاختلاف على توزيعها ...





نشيد الشهيد ( أحد أبرز أناشيد الثورة الإيرانية في اليومين التاليين لانتصارها )


شهيد .. شهيد .. شهيد
راه تو إفتخار

نام تو ماندكار

عزتت بايدار

مرك سرخت .. خروش روزكار

إي غمت جاودان .. در دل عاشقان

خون تو در جهان .. مي كند كل فشان

هر بهار .. هر بهار



******

تا مَحْوِ دشمن إي هَمْرَهِ من

ننشينم از با .. عزم تو دارم / يارم

رَهْ مي سبارم .. تا فتح فردا

إي زنده ياد .. با تو أم قرار .. در سبيده يِِ أولين بهار ...



******

أيها الشهيد .. أيها الشهيد .. أيها الشهيد

منهجك يبعث على الفخر

إسمك باق

وعزتك راسخة

وموتك الدامي صرخة الدهر

يا من حزنه مستديم في قلوب المحبين

إن دمك ينثر الورد في الكون

كل ربيع ... كل ربيع



******

لن أتقاعس .. يا رفيقي

حتى تدمير العدو

فعزمك عزمي / عزمك معيني

و سأواصل المشوار .. حتى فتح الغد

أيها الخالد .. إنني على موعد معك .. عند انبلاج فجر أول ربيع



-------------------------------